سالم الحسني

Friday, 27 April 2007

كتاب كشف الغمة الجامع لأحكام الأمة

في رحلتي إلى دول الإمارات (دبي) لحضور دورة فهرسة وتحقيق المخطوطات بمركز جمعة الماجد كانت لنا رحلة إلى البريمي والعين وكان برفقتنا زميلان لنا في الدورة أحدهما من قطر والآخر من المغرب، التقينا بأخ في العين أظنه من أصل عماني ولديه الجنسية الإماراتية، وفي بيته في العين كنا نذكر المخطوطات العربية في دول الغرب وخاصة في جامعات ومتاحف بريطانيا فابتدأنا بالصحيفة القحطانية والموجودة في جامعة أكسفورد.
وفي معرض حديثنا ذكر لنا الأخ المضيف أن مدير دار زايد للتراث والتاريخ الدكتور حسن محمد عبدالله النابودة حقق مؤخرا كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة.
فسألته بشغف من أين أحصل على نسخة؟ وفي أي مكتبة طبع؟ فقال: مكتبة لبنانية ولي زميل صديق للدكتور المحقق أحضر لي عدة نسخ سأعطيك نسخة منها، ففرحت جدا بذلك لأن هذا الكتاب يعتبر المصدر الأول للتاريخ فكنت أسمع به كثيرا حتى أن في مكتبة المعهد لا توجد نسخة منه وإنما وجدت له نسخة مطبوعة غير كاملة طبعا في مكتبة جامعة السلطان قابوس (مكتبة المسجد) وأظنه موجود في المكتبة الرئيسية.
يعتبر كتاب (كشف الغمة) لمؤلفه الشيخ سرحان بن سعيد الأزكوي من أهم وأكبر المصادر التاريخية العمانية، حيث قال المحقق الدكتور حسن النابودة في مقدمته: ليس هناك خلافا في أن مخطوط كشف الغمة يعد من أهم مصادر التاريخ العماني إن لم يكن أهمها على الإطلاق وذلك لكونه أوسع عمل تاريخي محلي غطى جميع الحقب التاريخية لعمان منذ فترة ما قبل الإسلام وحتى عام 1140هـ، 1728م.
كما أنه المصدر الرئيس الذي استقى منه العمانيون تاريخ المنطقة ونقلوا منه في كثير من الأحيان حرفيا وبذلك كسب كشف الغمة سمعته هذه وبقي المصدر الأول والرئيس لتاريخ عمان.
وأحاول في هذه الصفحة الالكترونية أن أبين عمل المحقق من خلال مقدمته وعمله في التحقيق.
فالعمل الذي قام به المحقق يعتبر عملا جبارا وذلك باعتماده في مقابلة النص بخمس مخطوطات وهي:
1- نسخة مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي في السلطنة وهي أصلية بخط أحد أقرباء المؤلف وهو محمد بن خلف بن عمرو الأزكوي وقد نسخها من النسخة الأصلية الأولى بخط المؤلف سرحان بن سعيد وذلك في 1208هـ، 1793م.
2- نسخة تونس: من أقدم النسخ وأهمها وهي للمؤرخ ابن رزيق بخط عثمان بن عامر بن سليمان الهنائي، كتبت سنة 1264هـ، 1847م.
3- نسخة لندن: (المتحف البريطاني): أشهر النسخ وأكثرها انتشارا، وأكبر المخطوطات لأنها كتبت بخط نسخي كبير، بخط سالمين سعد سنة 1290هـ، 1873م.
4- نسخة المكتبة الظاهرية (دمشق)، أكثر النسخ دقة ووضوحا، اشترك في كتابتها اثنان من أهل عمان وهما نصر الله بن محمد بن أحمد الكندي، وعبدالرحمن بن سالم بن سيف الرواحي (وكان خط الأخير من أجمل الخطوط وذكر ابن رزيق أنه كان كاتبا للسلطان برغش بن سعيد ، كتبت النسخة عام 1315هـ، 1897م.
5- النسخة الجديدة: بعث بها للمحقق أحد أصدقائه من مصر في إبريل 2004 وتاريخ نسخها هو 1317هـ، 1899م بخط نسخي بقلم سعيد بن خميس ين حمد البهلوي.

واستعان المحقق كذلك بالمصادر الرئيسة لتاريخ عمان كتحفة الأعيان للإمام السالمي وكتاب الفتح المبين لابن رزيق.
ذكر المؤلف في مقدمته:
1- نسبة الكتاب للمؤلف والاختلاف فيه:
فمنهم من قال بأن المؤلف مجهول ومنهم من قال أن المؤلف سرحان ليس إلا ناقل، فمعظم المؤرخين ينسبون الكتاب إلى مجهول مثل البرادي وذكر صاحب كشف الغمة حاجي خليفة المؤلفات التي تحمل اسم كشف الغمة وليس فيها هذا الكتاب، ومن الذين قالوا بأن الأزكوي هو ناسخ الكتاب لا مؤلفه هو أحمد عبيدلي الذي قام بتحقيق أبواب عدة في الكتاب والتي تعد كما قال الدكتور النابودة من أهم المحاولات وأغناها من حيث المعلومات والتحقيق، وتابع قائلا: إلا أن رأيه – أي عبيدلي – لا يستند إلى أدلة واضحة واجتهاده ليس صحيحا كما أن قوله بوجود اختلاف في أسلوب الكتاب فيه مبالغة
وذكر المحقق قائلا: وخلاصة القول فإنه لا يمكن لكتاب بهذا الحجم والأهمية أن يكون مجهول التأليف وعدم ذكر ابن رزيق والسالمي له ربما ناتج من شهرة الكتاب ومؤلفه وليس على العكس من ذلك.
2- أهمية كتاب كشف الغمة ومحتوياته:
يقع الكتاب في 40 بابا: يبدأ الأزكوي مقدمة قصيرة بين فيها سبب التأليف (فقد دعتني الهمة إلى جمع هذا الكتاب وتأليفه وتلخيص معانيه وتصنيفه فلبيتها أهلا وسهلا... ) وذكر في مقدمته اسم عنوان كتابه.
يتبين للقارئ على حسب كلام محقق الكتاب ما يلي:
1- الروح المذهبية والمحلية للمؤلف الواضحة فقد جعل مؤلفه هذا النهج محور اهتمامه في كتابة التاريخ بشكل عام والإباضي بشكل خاص.
2- أولى اهتماما خاصا بقادة المذهب خاصة الذين قتلوا منهم في ساحات الحرب.
3- إسهابه في القضايا الدينية التي شكلت جزءا كبيرا من كتابه.
4- أسهب في الحديث عن تاريخ رسول الله r والخليفتين من بعده.
5- أعطى تفاصيل كثيرة حول قضية الخلاف بين الأطراف المتحاربة في الفتنة الأولى.
6- خصص بابين للفرق الإسلامية (28-29).
7- أسهب في الحديث عن آراء الفرق ويؤخذ على المؤلف – الأزكوي – نتيجة الإسهاب في هذه الحقبة من الزمن – الفتنة – التعسف في إصدار الأحكام على الكثير من الشخصيات التاريخية التي تصل إلى حد التكفير والتجريح.
8- يختصر تاريخ الأمويين والعباسيين في باب واحد الباب (30) فهو مهم جدا لأنه يذكر – كما يقول المحقق – تاريخا سنيا بوجهة نظر إباضية.
9- الباب (31) من الأبواب المهمة التي لم تنشر بعد (ذكر الأئمة الذين باعوا أنفسهم في إنكار المنكر).
10- أسهب في ذكر ثورة (طالب الحق) عبدالله بن يحيى الكندي.
11- خصص بابا الـ(32) عن انتشار المذهب الإباضي في بلاد المغرب ويشير إلى مصادر مغربية.
12- الأبواب من (33 إلى 38) تاريخ عمان من أول إسلامهم حتى وقوع الفتنة.
13- لم يذكر حروب الردة في عمان.
14- الدقة في ذكر أخبار الأئمة والتاريخ العماني بشكل عام.
15- أهمل فترة النبهانيين التي تعد أهم وأطول فترة في تاريخ عمان التي استمرت خمسة قرون.
16- الباب (39) تواريخ بعض الصحابة وعلماء الإباضية ولم يعط أية تفاصيل عنهم واكتفى بذكرهم.
17- يختتم حديثه بقضايا الخلاف بين الإباضية والسنة حول مسألتي عذاب القبر ورؤية الله جل ذكره.
18- يتوسع في ذكر البراءة ويؤكد عدم طاعة السلطان الجائر.
19- لم يفصل حول الأحداث الخاصة بقادة الخوارج الذين ثاروا على الأمويين.
20- أسهب في ذكر ما نسب إليهم – أي قادة الخوارج – من أقوال.
21- كتب خطبة أبي حمزة الشاري الطويلة في 12 صفحة ليبين من خلالها مبادئ وقيم أصحاب المذهب.

ثم ذكر المحقق كلاما تحت عنوان: الخوارج في رأي الأزكوي
ذكر بأن الأزكوي تفرد من الإباضية بقول أن الإباضية فرقة من الخوارج وذكر المحقق في مقدمته مقتطفات من كلام المؤلف الأزكوي منها (وهو الذين خرجوا على علي بن أبي طالب لما حكم الحكمين).
ثم قال – أي المحقق – أن رأي الأزكوي يمثل أهمية خاصة لكونه من المؤرخين العمانيين القلائل الذين يشيرون صراحة إلى ذلك.
وفي الحقيقة – وحسب علمي – أنه لا يوجد خلاف في أن الإباضية خرجوا مع الخارجين على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ولكن الإباضي خرجوا عن الخوارج عندما استحبوا العنف والقتل وقطع الطرق على الدولة الأموية حتى سموا العقدة لأنهم لم يخرجوا فأظن أن هذا الكلام لا يختلف فيه أحد في المذهب بغض النظر عن سبب خروجهم على الإمام علي فهذه قصة طويلة ولها مسوغاتها كما ذكرها المؤرخون والعلماء.
فكتاب كشف الغمة يعتبر من المصادر المهمة في التاريخ العماني الإباضي، وهذه خطفة سريعة على هذا الكتاب القيم، الذي أنصح باقتنائه والحمد لله حصلت عليه مجانا لأن قيمته على حسب ما أخبرني أحد الأصدقاء 150 درهما - أي 15 ريالا.

تعليقات: 1

Post a Comment

<< العودة لصفحة الرئيسة